الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم في ليلة الأربعاء ثالث عشرين جمادى الآخرة غمز على قاني باي العلائي في دار فكبس عليه بها وأخذ منها وقيد وحمل إلى الإسكندرية. وفي هذه الأيام ورد الخبر أن سودون طاز خرج من ثغر دمياط يوم الخميس رابع عشرين جمادى الآخرة في طائفة وأنه اجتمع عليه جماعة كبيرة من العربان والمماليك فندب السلطان لقتاله الوالد والأمير تمراز الناصري أمير مجلس وسودون الحمزاوي في عدة أمراء أخر. وخرجوا من القاهرة فبلغهم أنه عند الأمير علم الدين سليمان بن بقر بالشرقية جاءه ليساعده على غرضه فعندما أتاه أرسل ابن بقر إلى الأمراء يعلمهم بأن سودون طاز عنده فطرقه الأمراء وقبضوا عليه وأحضروه إلى القلعة في يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة. ثم أصبح السلطان في يوم الخميس أول شهر رجب سفر خمسة من المماليك السلطانية ممن كان مع الأمير سودون طاز أحدهم سودون الجلب الآتي ذكره في عدة أماكن ثم جانبك القرماني حاجب حجاب زماننا هذا فاجتمع المماليك السلطانية لإقامة الفتنة بسببهم. وتكلم الأمراء مع السلطان في ذلك فخلى عنهم وقيدوا وسجنوا بخزانة شمائل ونفي سودون الجلب إلى قبرس ثم في ثالث شهر رجب حمل سودون طاز مقيدًا إلى الإسكندرية وسجن بها عند غريمه الأمير جكم من عوض الدوادار. وفي هذا الشهر ورد الخبر من دمشق أنه أقيمت الجمعة بالجامع الأموي وهو خراب وكان بطل منه صلاة الجمعة من بعد كائنة تيمور وأن الأمير شيخا المحمودي نائب دمشق سكن بدار السعادة بعد أن عمرت وكانت حرقت أيضًا في نوبة تيمور وأن سعر الذهب زاد عن الحد فأجيب بأن الذهب قد زاد سعره بمصر أيضًا حتى صار سعر المثقال الهرجة بخمسة وستين درهمًا والدينار المشخص بستين درهمًا. ثم عقد السلطان عقد الأمير سودون الحمزاوي على أخته خوند زينب بنت الملك الظاهر برقوق وعمرها نحو الثمان سنين فصارت أخوات السلطان الثلاث كل واحدة منها مع أمير من أمرائه فخوند سارة زوجة الأمير نوروز الحافظي وخوند بيرم زوجة الأمير إينال باي بن قجماس وخوند زينب وهي أصغرهن مع سودون الحمزاوي هذا. ثم في يوم الاثنين سادس عشرين شهر رجب خلع السلطان على قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم باستقراره في قضاء الحنفية بالديار المصرية بعد أن عزل القاضي أمين الدين عبد الوهاب الطرابلسي بسفارة الوالد لصحبة كانت بينهما من حلب. ثم في ليلة الثلاثاء سابع عشرين شهر رجب المذكور أرسل السلطان إلى الإسكندرية الأمير آقبردي والأمير تنبك من الأمراء العشرات في ثلاثين مملوكًا من المماليك السلطانية فوصلوها في تاسع شعبان وأخرجوا الأمير نوروز الحافظي وجكم من عوض وسودون طاز وقاني باي العلائي من سجن الإسكندرية وأنزلوهم في البحر المالح وساروا بهم إلى البلاد الشامية فحبس نوروز وقاني باي في قلعة الصبيبة من عمل دمشق وحبس جكم في حصن الأكراد من عمل طرابلس وحبس سودون طاز في قلعة المرقب ولم يبق بسجن الإسكندرية من الأمراء غير سودون من زاده وتمربغا المشطوب. ثم حول جكم بعد مدة إلى قلعة المرقب عند غريمه سودون طاز. ثم في ثامن عشر شوال خلع السلطان على الأمير بكتمر الركني أمير سلاح باستقراره رأس نوبة الأمراء عوضًا عن نوروز الحافظي واستقر الأمير تمراز الناصري أمير مجلس عوضه أمير سلاح واستقر سودون المارداني رأس نوبة النوب أمير مجلس عوضًا عن تمراز واستقر سودون الحمزاوي رأس نوبة النوب عوضًا عن سودون المارداني وأخلع السلطان على الأمير طوخ باستقراره خازندارًا عوضًا عن سودون الحمزاوي. ثم في خامس عشرين ذي القعدة أفرج عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين ماجد وكان السلطان قبض عليهما من شهر رمضان وولى وظائفهما جماعة واستمرا في المصادرة إلى يومنا هذا. وكان الإفراج عنهما بعد ما التزم سعد الدين بن غراب بحمل ألف ألف درهم فضة وفخر الدين بثلاثمائة ألف درهم ونقلا إلى السالمي ليستخرج الأموال منهما ثم يقتلهما. وكان ابن قايماز أهانهما وضرب فخر الدين وأهانه فلم يعاملهما السالمي بمكروه ولم ينتقم منهما وخاف سوء العاقبة فعاملهما من الإحسان والإكرام بما لم يكن يبال أحد. وما زال يسعى في أمرهما حتى نقلا من عنده لبيت شاد الدواوين ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب وهذا بخلاف ما كانا فعلا مع السالمي فكان هو المحسن وهم المسيئون. ثم خلع السلطان على يلبغا السالمي بآستقراره أستادارًا وعزل ابن قايماز وهذه ولاية يلبغا السالمي الثانية. ثم في سابع ذي الحجة من سنة خمس وثمانمائة أخرج السلطان الأمير أسنبغا المصارع والأمير نكباي الأزدمري وهما من أمراء الطبلخاناه بمصر إلى دمشق وإينال المظفري وآخر وهما من الأمراء العشرات ورسم للأربعة بإقطاعات هناك لأمر اقتضى ذلك فساروا من القاهرة. فلما كان يوم تاسع عشرين الحجة أغلق المماليك السلطانية باب القصر من قلعة الجبل على من حضر من الأمراء وعوقوهم بسبب تأخر جوامكهم فنزل الأمراء من باب السر ولم يقع كبير أمر. وأمر السلطان ليلبغا السالمي أن ينفق عليهم فنفق عليهم. ثم في يوم الثلاثاء رابع المحرم من سنة ست وثمانمائة عزل يلبغا السالمي عن الأستادارية وأعيد إليها ركن الدين عمر بن قايماز وقبض على السالمي وسلم إليه. ثم في ثامنه خلع السلطان على الصاحب علم الدين يحيى أبي كم وآستقر في الوزارة ونظر الخاص معا عوضًا عن تاج الدين بن البقري واستقر ابن البقري على ما بيده من وظيفتي نظر الجيش ونظر ديوان المفرد فلم يباشر أبو كم الوزر غير ثمانية أيام وهرب واختفى فأعيد تاج الدين بن البقري إليها. هذا والسالمي في المصادرة. وفي هذه السنة كان الشراقي العظيم بمصر وعقبه الغلاء المفرط ثم الوباء وهذه السنة هي أول سنين الحوادث والمحن التي خرب فيها معظم الديار المصرية وأعمالها من الشراقي واختلاف الكلمة وتغيير الولاة بالأعمال وغيرها. ثم في شهر ربيع الأول كتب بإحضار دقماق نائب حلب. وفيه اختفى الوزير تاج الدين بن البقري فخلع على سعد الدين بن غراب وآستقر في وظيقتي الأستادارية ونظر الجيش. وصرف ابن قايماز وخلع على تاج الدين رزق الله وأعيد إلى الوزارة. وفي خامس صفر كتب باستقرار الأمير آقبغا الجمالي الأطروش في نيابة حلب عوضًا عن دقماق فلما بلغ دقماق أنه طلب إلى مصر هرب من حلب. ثم قدم الخبر على السلطان بأن قرايوسف بن قرامحمد قدم إلى دمشق فأنزله الأمير شيخ المحمودي بدار السعادة وأكرمه. وكان من خبر قرايوسف أنه حارب السلطان غياث الدين أحمد بن أويس وأخذ منه بغداد. فلما بلغ تيمور ذلك بعث إليه عسكرًا فكسرهم قرايوسف. فجهز إليه تيمور جيشًا ثانيًا فهزموه ففر بأهله وخاصته إلى الرحبة فلم يمكن منها ونهبته العرب فسار إلى دمشق فوافى بها السلطان أحمد بن أويس وقد قدمها أيضًا قبل تاريخه. وأخبر الرسول أيضًا أن قاني باي العلائي هرب من سجن الصبيبة فتأخر نوروز بالسجن ولم يعرف أين ذهب. ثم في يوم الثلاثاء خلع السلطان على بدر الدين حسن بن نصر الله الفوي وآستقر في نظر الخاص عوضًا عن ابن البقري وهذه أول ولاية الصاحب بدر الدين ابن نصر الله للوظائف الجليلة. ثم في عاشره اختفى الوزير تاج الدين وفي ثالث عشره أعيد آبنالبقري للوزر على عادته ونظر الخاص وصرف آبن نصر الله هذا والموت فاش بين الناس وأكثر من كان يموت الفقراء من الجوع. ثم في آخر جمادى الآخرة رسم بالقبض على السلطان أحمد بن أويس وقرايوسف بدمشق فقبض عليهما الأمير شيخ وسجنهما. ثم في يوم الاثنين ثامن عشر شهر رجب قدم إلى القاهرة سيف الأمير آقبغا الجمالي الأطروش نائب حلب بعد موته فرسم السلطان بانتقال الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس إلى نيابة حلب وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير سودون المحمدي المعروف بتلي. وفي أثناء ذلك ورد الخبر بأن الآمير دقماق نزل على حلب ومعه جماعة من التركمان فيهم الأمير علي بك بن دلغادر وفر منه أمراء حلب فملك دقماق حلب. ورسم السلطان بانتقال الأمير شيخ السليماني المسرطن نائب صفد إلى نيابة طرابلس وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير آقبردي ورسم باستقرار الأمير بكتمر جلق أحد أمراء دمشق في نيابة صفد عوضًا عن شيخ السليماني المسرطن. وخرج الأمير إينال المأمور بقتل الأمراء المسجونين بالبلاد الشامية وقبل وصول إينال المذكور أفرج الأمير دمرداش نائب طرابلس عن الأمير جكم وعن سودون طاز وكانا ببعض حصون طرابلس وسار بهما إلى حلب وهذا أول أمر جكم وظهوره بالبلاد الشامية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. ثم في يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة قبض السلطان على الأمير بيبرس الدوادار الثاني وعلى الأمير جانم من حسن شاه وعلى الأمير سودون المحمدي تلي وحملوا إلى سجن الإسكندرية واستقر الأمير قرقماس أحد أمراء الطبلخانات دوادارًا ثانيًا عوضًا عن بيبرس المذكور. ثم في صفر من سنة سبع وثمانمائة وقع بين الأمير يشبك الشعباني وبين الأمير إينال باي بن قجماس الأمير آخور كبير. وسبب ذلك أن الأمير يشبك الشعباني الدوادار صار هو مدبر الدولة وبيده جميع أمورها من الولاية والعزل فصار له بذلك عصبة كبيرة فأحبوا عصبته عزل إينال باي من الأميراخورية لاختصاصه بالسلطان الملك الناصر لقرابته منه ثم لمصاهرته فإنه كان تزوج بخوند بيرم بنت الملك الظاهر برقوق وسكن بالإسطبل السلطاني على عادة الأميراخورية فصار السلطان ينزل عنده ويقيم ببيت أخته ويعاقره الشراب فعظم أمر إينال باي لذلك فخافه حواشي يشبك وأحبوا أن يكون جركس القاسمي المصارع عوضه أميراخورًا واتفقوا مع يشبك على ذلك فانقطعوا عن حضور الخدمة السلطانية من جمادى الأولى فاستوحش السلطان منهم وتمادى الحال إلى يوم الجمعة فأمر السلطان لإينال باي أن ينزل للأمراء المذكورين ويصالحهم فمنع جماعة من المماليك السلطانية إينال باي أن ينزل. واشتد ما بينهم من الشر حتى خاف السلطان عاقبة ذلك وباتوا مترقبين وقوع الحرب بينهما. وكان السلطان رسم للأمير يشبك أن يتحول من داره قبل تاريخه فإنها مجاورة لمدرسة السلطان حسن فامتنع يشبك من ذلك فساء ظن السلطان به. ثم استدعى السلطان القضاة في يوم السبت ثاني صفر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس ليصلحوا بين إينال باي وبين يشبك ورفقته فلم يقع صلح بين الطائفتين. وتسور بعض أصحاب يشبك على مدرسة السلطان حسن فتحقق السلطان عند ذلك ما كان يظنه بيشبك ويحذره منه إينال باي وغيره. وأخذ كل أحد من الطائفتين في أهبة الحرب والسلطان من جهة إينال باي. وأصبحوا جميعًا يوم الأحد لابسين السلاح. وطلع أعيان الأمراء إلى السلطان وهم الأتابك بيبرس والوالد وبكتمر رأس نوبة الأمراء وسودون المارداني أمير مجلس وآقباي حاجب الحجاب وطوخ الخازندار في آخرين من مقدمي الألوف والطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانية. وكان مع يشبك من أمراء الألوف سبعة وهم الأمير تمراز الناصري أمير سلاح ويلبغا الناصري وإينال حطب العلائي وقطلوبغا الكركي وسودون الحمزاوي رأس نوبة النوب وطولو وجركس المصارع. وانضم معهم سعد الدين إبراهيم بن غراب الأستادار ومحمد بن سنقر البكجري وناصر الدين محمد بن علي بن كلبك في جماعة من الأمراء والمماليك وتجهز يشبك للحرب وأعد بأعلى مدرسة السلطان حسن مدافع النفط والمكاحل والأسهم للرمي على الإسطبل السلطاني وعلى من يقف تحته من الرميلة. واجتمع عليه خلائق. ونزل السلطان أيضًا من القصر إلى الإسطبل السلطاني وجلس بالمقعد واجتمع عليه أكابر أمرائه وخاصكيته. ووقع القتال بين الطائفتين والحصار والرمي بالمدافع من بكرة يوم الأحد إلى ليلة الخميس سابعه. وقد ظهر أصحاب السلطان على اليشبكية وحصروهم والقتال مستمر بينهم وأمر يشبك في إدبار وحال السلطان في استظهار إلى أن كانت ليلة الخميس المذكورة فاتفق الأمير يشبك مع أصحابه وركب نصف الليل وخرج بمن معه من الأمراء من الرميلة على حمية ومروا من تحت الطبلخاناه إلى جهة الشام فلم يتبعهم أحد من السلطانية. ونودي بالقاهرة في آخر الليلة المذكورة بالأمان ومنع أهل الفساد والزعر من النهب. ومر يشبك بمن معه من الأمراء والمماليك إلى قطيا فتلقاه مشايخ عربان العائذ بالتقادم. وسار إلى العريش وقد بلغ خبره إلى غزة فتلقاه نائب غزة الأمير خير بك بعساكر غزة فدخلها يوم الأربعاء ثالث عشر صفر ونزل بها. ثم بعث الأمير طولو إلى الأمير شيخ المحمودي نائب الشام يعلمه الخبر. وسار طولو يريد دمشق حتى قدم دمشق يوم الأحد ثامن عشره فخرج الأمير شيخ إليه وتلقاه وأعلمه طولو الخبر وكان في ثامن عشر الشهر الخارج قدم الأمير دقماق المحمدي دمشق فأكرمه الأمير شيخ. و
أنه لما فر من حلب وجمع التركمان وأخذ حلب وقدم الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس عليه وقد ولي نيابة حلب بعد أن أطلق دمرداش وسودون طاز وجكم وسار بهما من طرابلس إلى حلب لقتال التركمان وواقع التركمان بعد أن قتل سودون طاز فانكسر دمرداش وملك جكم حلب منه بعد أمور صدرت يطول شرحها فكتب السلطان إلى دقماق يخبره في أي بلد يقيم فآختار الشام فقدمها. ولما بلغ الأمير شيخ ما وقع ليشبك بعث بالأمير ألطنبغا حاجب الحجاب بدمشق والأمير شهاب الدين أحمد بن اليغموري وجماعة أخر من الأعيان إلى الأمير يشبك ومعهم أربعة أحمال قماش ومال وكتب شيخ على أيديهم مطالعات للأمير يشبك يرغبه في القدوم عليه وأنه يقوم بنصرته ويوافقه على غرضه. فلما بلغ يشبك ذلك رحل من غزة في ليلة الاثنين خامس عشرينه بعد ما أقام بها ثلاثة عشر يومًا وأخذ ما كان بها من حواصل الأمراء وعدة خيول وبعث إليه أهل الكرك والشوبك بعدة تقادم بعد ما كان عرض من معه من المقاتلة فكانوا ألفًا وثلاثمائة وخمسة وعشرين فارسًا وتلقاه بعد مسيره من غزة مشايخ بلاد الساحل أو الجبل وحمل إليه الأمير بكتمر جلق نائب ثم جهز إليه الأمير شيخ نائب الشام جماعة لملاقاته طائفة بعد أخرى. ثم خرج إليه شيخ المذكور من دمشق حتى وافاه فلما تقاربا ترجل الأمير شيخ عن فرسه فلما عاينه يشبك ترجل هو وأصحابه وسلم عليه ثم سلم على الأمراء وجلسا قليلًا. ثم ركبا وسار يشبك المذكور وقد ألبسه شيخ هو وجميع من معه من الأمراء الخلع بالطرز العريضة وعدتهم أحد وثلاثون أميرًا من الطبلخانات والعشرات سوى من تقدم ذكرهم من أمراء الألوف ودخلوا دمشق يوم الثلاثاء رابع شهر رجب. ولما طال جلوسهم بدمشق سألهم الأمير شيخ عن خبرهم فأعلموه بما كان وذكروا له أنهم مماليك السلطان وفي طاعته لا يخرجون عنها أبدًا غير أن إينال باي نقل عنهم للسلطان ما لا يقع منهم فتغير خاطر السلطان عليهم حتى وقع ما وقع وأنهم ما لم ينصفوا منه ويعودوا لما كانوا عليه وإلا فأرض الله واسعة. فوعدهم بخير وقام لهم بما يليق بهم حتى قيل إنه بلغت نفقته عليهم نحو مائتي ألف دينار مصرية. ثم كتب شيخ إلى السلطان يسأله في أمرهم. وأما أمر السلطان الملك الناصر فإنه لما أصبح وقد انهزم يشبك بمن معه إلى جهة الشام كتب بالإفراج عن الأمير سودون من زاده وتمربغا المشطوب وصرق وكتب إلى الأمير نوروز بالحضور إلى الديار المصرية ليستقر على عادته وكتب للأمير جكم أمانًا توجه به طغاي تمر ثم في ثامن عشره خلع على عدة من الأمراء بعدة وظائف فخلع على سودون المارداني أمير مجلس باستقراره دوادارًا عوضًا عن يشبك الشعباني المقدم ذكره وعلى الأمير سودون الطيار الأمير آخور الثاني وآستقر أمير مجلس عوضًا عن سودون المارداني وعلى آقباي حاجب الحجاب باستقراره أمير سلاح عوضًا عن تمراز الناصري وخلع على أبي كم واستقر في وظيفة نظر الجيش عوضًا عن آبن غراب وعلى ركن الدين عمر بن قايماز باستقراره أستادارًا عوضًا عن آبن غراب أيضًا. ثم في تاسع عشره قدم سودون من زاور وتمربغا المشطوب وصرق من سجن الإسكندرية وقبلوا الأرض بين يدي السلطان ونزلوا إلى دورهم. وفي حادي عشرينه خلع السلطان على الأمير يشبك بن أزدمر باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن سودون الحمزاوي. ثم ألزم السلطان مباشري الأمراء المتوجهين إلى الشام بمال فقرر على موجود الأمير يشبك مائة ألف دينار وعلى موجود تمراز مائة ألف دينار وعلى موجود سودون الحمزاوي ثلاثين ألف دينار وعلى موجود قطلوبغا الكركي عشرين ألف دينار ورسم السلطان أن يكون الدينار بمائة درهم ثم افتقد السلطان المماليك السلطانية ممن توجه مع الأمير يشبك فكانوا مائتي مملوك. ثم قدم الخبر على السلطان أن الأمير نوروز قدم إلى دمشق من قلعة الصبيبة فتلقاه الأمير شيخ وأكرمه وضربت البشائر لقدومه بدمشق فعظم ذلك على السلطان. ثم في يوم الثلاثاء رابع شهر رجب طلب السلطان جمال الدين يوسف البيري أستادار بجاس وخلع عليه باستقراره أستادارًا عوضًا عن آبن قايماز بعد ما رسم على جمال الدين المذكور في بيت شاد الدواوين محمد بن الطبلاوي يومًا وليلة. واستمر يتحدث في استادارية الأتابك بيبرس فإنه كان خدم عنده ليحميه من الوزر والأستادارية فلم ينهض بيبرس بذلك. ثم قدم الخبر بأن الأمير شيخًا أفرج عن قرايوسف. وأما خبر جكم مع دمرداش وكيف ملك منه حلب وقد قدمنا ذكر ذلك مجملًا من غير تفصيل فإن جكم لما أطلقه دمرداش وأخذه صحبته إلى حلب وقاتل معه التركمان ووقع لهما أمور حاصلها أن جكم تخوف من دمرداش وفر منه إلى جهة التركمان وانضم عليه سودون الجلب بعد مجيئه من بلاد الإفرنج والأمير جمق نائب الكرك كان وغيره من المخامرين. ثم وافقه ابن صاحب الباز أمير التركمان بتركمانه فعاد جكم وقاتل دمرداش ووقع بينهما أمور وحروب إلى أن ملك جكم طرابلس. وأرسل إليه الأمير شيخ نائب الشام والأمير يشبك ورفقته يستميلونه ليقدم عليهم دمشق ويوافقهم على قتال المصريين فأجابهم إلى ذلك وخرج من طرابلس فلما وصل حماة أخذ نائبها الأمير علان بمن انضم عليه وتوجه بهم إلى دمرداش وقاتله حتى هزمه وأخذ منه مدينة حلب. وفر دمرداش بجماعة من أمراء حلب إلى بلاد التركمان. ولما ملك جكم حلب أنعم بموجود دمرداش على علان نائب حماة وأقره على نيابة حماة على عادته فصار مع جكم حلب وطرابلس وحماة. وأخذ يسير مع الرعية أحسن سيرة فأحبه الناس وجرى على ألسنتهم: " جكم حكم وما ظلم ". واستمر جكم بحلب إلى أن أرسل إليه الأمير شيخ نائب الشام الأمير سودون الحمزاوي والأمير سودون الظريف فتوجها إلى جكم على أنه بطرابلس. ثم أرسل الأمير شيخ الأمير شرف الدين موسى الهيدباني حاجب دمشق إلى حلب رسولًا إلى دمرداش يستدعيه إلى موافقته هو ومن عنده من الأمراء. وكان قد ورد كتاب دمرداش على شيخ ويشبك أنه معهما ومتى دعواه حضر إليهما. فهذا ما كان من أمر جكم وبقية خبر قدومه يأتي إن شاء الله تعالى فيما بعد. ثم إن الأمير شيخًا نائب الشام عين جماعة من الأمراء ليتوجهوا لأخذ صفد فخرج الأمير تمراز الناصري أمير سلاح والأمير جاركس القاسمي المصارع والأمير سودون الظريف بعد عوده من طرابلس وساروا بعساكرهم لأخذ صفد من بكتمر جلق بحيلة أنهم يسيرون إلى جشار الأمير بكتمر جلق كأنهم يأخذوه فإذا أقبل إليهم بكتمر ليدفعهم عن جشاره قاطعوا عليه وأخفوا مدينة صفد منه فتيقظ بكتمر لذلك وترك لهم الجشار فساقوه من غير أن يتحرك بكتمر من المدينة وعادوا إلى دمشق وأخبروا الأمراء بذلك. فاستعد شيخ لأخذ صفد وعمل ثلاثين مدفعًا وعدة مكاحل ومنجنيقين وجمع الحجارين والنقابين وآلات الحصار. وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان ومعه جمع كبير من عسكر مصر والشام من جملتهم قرايوسف بجماعته وجماعة السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد وجماعة من التركمان الجشارية وأحمد بن بشارة بعشرانة وعيسى بن الكابولي بعشرانه. ونادى شيخ بدمشق قبل خروجه منها: " من أراد النهب والكسب فعليه بمصر " فاجتمع عليه خلائق وسار معه مائه جمل تحمل مكاحل ومدافع وآلات الحصار. وولي الأمير ألطنبغا العثماني نيابة صفد كما كان أولًا وسار شيخ بمن معه من العساكر حتى وافى مدينة صفد فأرسل شيخ بالأمير علان إلى بكتمر جلق يكلمه في تسليم مدينة صفد فلم يذعن إليه بكتمر وأبى إلا قتاله وقال: " ما له عندي إلا السيف " فحينئذ ركب شيخ ويشبك بمن معهما وأحاطا بقلعة صفد وحصراها من جميع جهاتها وقد حصنها بكتمر وشحنها بالرجال وقام يقاتل شيخًا أتم قتال. فاستمر الحرب بينهم أيامًا كثيرة جرح فيها من أصحاب شيخ نحو ثلاثمائة رجل وقتل أزيد من خمسين نفسًا. وبينما هم في قتال صفد إذ ورد عليهم الخبر بقدوم جكم إلى دمشق ففرحوا بذلك ولم يمكنهم وكان خروج جكم من حلب في حادي عشر شهر رمضان وسار حتى قدم دمشق وقد حضر إليه شاهين دوادار الأمير شيخ يستدعيه فإن شيخًا كان أرسله إليه قبل خروجه إلى صفد بعد عود سودون الحمزاوي وسودون الظريف من طرابلس. وقبل خروج جكم من حلب سلم قلعتها إلى الأمير شرف الدين موسى بن يلدق وعمل حجابًا وأرباب وظائف وعزم على أنه يتسلطن ويتلقب بالملك العادل. ثم بدا له تأخير ذلك وقدم دمشق لمرافقة شيخ ويشبك ومن معهما. ووصل إلى دمشق ومعه الأمير قاني باي وتغري بردي القجقاري وجماعة كبيرة فخرج من بدمشق من أمراء مصر والشام جميعهم إلى لقائه وأنزل بالميدان فسلم جكم على الأمراء سلام السلاطين على الأمراء وأخذ يترفع عليهم ترفعًا زائدًا أوجب تنكرهم عليه في الباطن إلا أن الضرورة قادتهم إلى الانقياد إليه فأكرموه على رغمهم وأنزلوه وكلموه في القيام معهم فأجاب. وأمرهم أن يكتبوا ليشبك وشيخ بقدومه إلى دمشق فكتبوا إلى يشبك وشيخ بذلك. وأخذ جكم في إظهار شعار السلطنة مع خدمه وأصحابه فشق على الأمراء ذلك وما زالوا به بالملاطفة حتى ترك ذلك إلى وقته. وأقام معهم بدمشق إلى ليلة الأحد سابع عشرين شهر رمضان من سنة سبع وثمانمائة المذكورة فخرج من دمشق وتوجه مخفًا إلى طرابلس ليجمع عساكر طرابلس وترك ثقله بدمشق. وورد عليه الخبر أن دمرداش لما فر منه ركب ثم قدم إلى مصر في رابع عشرين شهر رمضان المذكور فهدأ سر جكم بذلك عن أمر حلب. وأما يشبك وشيخ بمن معهما من الأمراء والعساكر لما طال عليهم القتال على مدينة صفد وعجزوا عن أخذها تكلموا في الصلح مع بكتمر حتى تم لهم ذلك. واصطلحوا وتحالفوا ونزل إليهم بكتمر جلق في يوم الاثنين حادي عشرين شهر رمضان بعد أن كانت مدة القتال بينهم على صفد اثنين وعشرين يومًا. وعاد شيخ إلى دمشق وهو مجروح ويشبك الشعباني وهو مجروح أيضًا وجاركس المصارع وهو مجروح. وأما عساكرهم فغالبهم أثخنته الجراح. فعندما أقاموا بدمشق قدم عليهم الأمير جكم من طرابلس بعد أن أرسلوا يستحثونه على سرعة المجيء إليهم غير مرة فخرجوا لتلقيه وسلموا عليه وعادوا به إلى دمشق وهما في غاية الحنق من جكم وهو أنه لما وافاهما جكم ترجل إليه الأمير يشبك عن فرسه إلى الأرض وسلم عليه فلم يعبأ به جكم ولا التفت إليه لأنه كان غريمه فيما تقدم ذكره فشق ذلك على الأمير شيخ ولام يشبك على ترجله. ثم عتب شيخ جكم على ما وقع منه في عدم إنصاف يشبك. ثم نزل جكم بالميدان وجلس في صدر المجلس وجلس يشبك عن يمينه وشيخ عن يساره فكاد شيخ ويشبك أن يهلكا في الباطن ولم يسعهما إلا الإذعان لتمام أمرهما. ثم أمرهم جكم ألا يفعلوا شيئًا إلا بمشاورته فاتفقوا على منع الدعاء للسلطان الملك الناصري بمنابر دمشق فوقع ذلك وذكر الخطباء اسم الخليفة في الخطبة فقط. وكان الأمير شيخ قبل قدوم جكم إلى دمشق أفرج عن السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد من سجن دمشق وأنعم عليه بمائة ألف درهم فضة وثلاثمائة فرس. وأنعم أيضًا على قرايوسف بمائة ألف درهم وثلاثمائة فرس وأخرج عدة كبيرة من أمراء مصر إلى جهة غزة بعد أن حمل إلى كل منهم مائة ألف درهم فضة وهم: الأمير تمراز الناصري وابنه الأمير سودون بقجة وسودون الحمزاوي ويلبغا الناصري وإينال حطب وجاركس المصارع بعد أن حمل شيخ أيضًا إلى كل منهم مائة ألف درهم فضة. ولم يتأخر بدمشق من أعيان الأمراء إلا الأمير يشبك الدوادار والأمير شيخ نائب الشام وأقاما في انتظار الأمير جكم حتى قدم عليهما جكم حسبما تقدم ذكره. وبعد قدوم جكم أجمعوا على المسير إلى جهة مصر وبرزوا بالخيام إلى قبة يلبغا في يوم رابع عشر ذي القعدة. ثم خرج الأمير شيخ والأمير يشبك وقرايوسف من دمشق في يوم عشرين ذي القعدة وساروا إلى الخربة فافترقوا منها. فتوجه يشبك وقرايوسف إلى صفد لقتال نائبها بكتمر جلق ثانيًا فإنه بلغهم أنه مستمر على طاعة السلطان. وتوجه شيخ إلى قلعة الصبيبة وبها ذخائره وحريمه. فلما بلغ بكتمر جلق مجيء العسكر لقتاله استعد هو أيضًا لقتالهم وقد قوي قلبه فإنه بلغه أن علان نائب حماة دخل في طاعة السلطان وخالف الأمراء وكذلك شيخ السليماني المسرطن نائب طرابلس فإنه دخل في طاعة السلطان واستولى على طرابلس واستفحل أمره وأن الأمير شيخًا السليماني نائب طرابلس بعد أخذ طرابلس قدم عليه البريد بنيابة قاني باي على طرابلس فخرج منها شيخ السليماني إلى حماة فأشار عليه علان نائب حماة أنه لا يسلم طرابلس لقاني باي حتى يراجح السلطان ويعلمه بما يترتب على عزله من الفساد فعاد شيخ إلى طرابلس. فبهذه الأخبار ثبت بكتمر جلق على طاعة السلطان وقتال الأمراء. ولما قارب يشبك وقرايوسف صفد أخرج بكتمر كشافته بين يديه ونزل جسر يعقوب فالتقى كشافته بأصحاب يشبك وقرايوسف فاقتتلوا قتالًا شديدًا ظهر فيه كشافة صفد وأخذوا من الشاميين عشرة أفراس فعاد يشبك وقرايوسف إلى طبرية ونزلوا بها حتى قدم عليهم الأمير شيخ نائب الشام. ثم ساروا جميعا إلى غزة وقد تقدمهم الأمير جكم ونزل على الرملة. وأما أمراء الديار المصرية فإن السلطان الملك الناصر لما تحقق اتفاق الأمير شيخ المحمودي نائب الشام مع يشبك ورفقته وبلغه أخبارهم مفصلًا استشار الأمراء في أمرهم فأجمعوا على خروج السلطان لقتالهم. فتجهز السلطان وعلق جاليش السفر في ثاني ذي القعدة بالطبلخاناه السلطانية على العادة. ثم أنفق في رابعه على المماليك السلطانية على كل مملوك خمسة آلاف درهم. وكان صرف الذهب يوم ذاك مائة درهم المثقال فصرف لكل واحد منهم خمسة وأربعين مثقالًا. واحتاج السلطان في النفقة المذكورة حتى اقترض من مال أيتام الأمير قلمطاي الدوادار عشرة آلاف مثقال ورهن عندهم جوهرًا وجعل كسب ذلك ألف دينار ومائتي دينار وأخذ منهم أيضًا نحو ستة عشر ألف مثقال وباعهم بها بلدة من أعمال الجيزة تسمى البراجيل وأخذ من " تركة " التاجر برهان الدين المحلى وغيره مالًا كثيرًا ووزع له قاضي القضاة شمس الدين الأخنائي الشافعي خمسمائة ألف درهم على تركات خارجة عن المودع. وكانت نفقة السلطان على نحو خمسة آلاف مملوك بلغت مائتي ألف دينار وخمسين ألف دينار. ثم عزل السلطان الأخنائي عن قضاء الشافعية بقاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني وعزل ابن خلدون بقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي المالكي. ثم قدم الخبر على السلطان بنزول الأمراء على مدينة غزة وأخذهم الإقامات المجهزة للعساكر السلطانية.
|